Sunday, March 04, 2007

كابوس جميل



آلمته بشده تلك الخفقة العملاقة التى خفقها قلبه عندما ادرك انه استيقظ متأخرا جدا وانه لن يحضر امتحانه النهائى .. لقد رسب .. رسب فى وقت لا يحتمل اى رسوب
حتى بعد ان استيقظ وادرك اين هو حاليا وكم يبلغ من العمر الآن وان وقت الامتحانات قد ولى وراح منذ امد بعيد ظل محتفظا بمرارة اللحظة التى اورثته آلاما لم يعهدها قلبه من قبل
لم يستطع ابدا ان يعتاد كوابيس واحلام التأخير تلك .. مهما تقدم به العمر ...ومهما حاول الايثقل فى طعام العشاء لا يلبث ان يستيقظ من نومه مفزوعا غارقا فى عرقه مهما كان الجو باردا .
ولا تبخل عليه كوابيسه بالتنويع ابدا .. فتاره يحلم بأنه يستيقظ متأخرا جدا بعد ان يفوت الوقت ويفقد فرصته
وتارة اخرى يجد نفسه عاريا تماما فى مدرسته او فى مكان عمله بعد ان انتهى من مهامه ولا يستطيع العودة لمنزله بهذا الشكل المخزى
وفى ايام معينة تزداد جرعة الرعب فى كوابيسه لتحوى خيول عملاقة بعيون ميتة تطارده فى كل مكان .. او قطط شيطانية تتهافت على عضه مليون عضة وتبغى تمزيقه وانتزاع مقلتيه
او ان يستيقظ فجأة ليجد نفسه يتبع شخصا آخر يتقافز عبر اسطح بيوت ومنازل يعرفها جيدا و يذكر انها لم تكن بهذا الارتفاع ابدا ....
اما كابوسه المفضل الذى لايمل منه ويشتاق اليه اشتياق التعيس الى صداع اليوم التالى بعد ليلة خمر فكان حلم السقوط من اعلى .. اعلى درج .. اعلى شجرة .. اعلى مبنى
قرأ من قبل ان هذا الشعور هو احد مكتسبات الوجدان الجمعى ، ورثه عن جده الانسان الاول الذى كان يخاف السقوط من على الاشجار التى ينام على اغصانها العالية مخافة هجوم وحوش ذلك الزمان عليه اثناء نومه... لكن لم يعفيه ذلك التفسير ابدا من اجتياح هذا الكابوس بالذات لعالم احلامه واسقاطه من عليائه
حاول ان يحدد لهذا الكابوس على وجه الخصوص اية محفزات اوعادات يقترفها بدون وعى منه لعلها طقوس لاستدعاء ذلك الكابوس لينتظره على بوابة مملكة النوم فلم ينجح ... حاول ان يتذكر اللحظات السابقة لهذا النوع من الاحلام . اللحظات التى يعيشها قبل ان ينام .. هل هى لحظات سعيدة ام تعيسة لعلها الدافع او السبب.

لحظات سعيدة !!! هل يخادع نفسه ؟ لا توجد لحظات سعادة فى هذا الزمان
اجهد نفسه فى محاولة لتذكر آخر لحظة شعر فيها بسعادة حقيقية او اقرب زمن تجاور فيها اسمه مع كلمات من نوع "غبطة" و"حبور" فى اى جملة.. او آخر مرة ضحك فيها ملء اساريره واحتفظ بتوابع تلك الضحكة وهذا الشعور فى قلبه وجوانحه لاكثر من دقائق فلم يستطع .
اجهد نفسه كثيرا فى محاولة التذكرهذه حتى سقط نائما .. وفى ليلته تلك عاش كابوسه المفضل وطالت رحلة سقوطه التى لم تكن سريعة كما كانت فى الماضى ... لقد طالت جدا كما لو انه سقط من طائرة تحلق فوق سحاب السماء السابعة .... لقد رأى اشياء كثيرة لم يرها من قبل وتعاقبت عليه فى رحلته نهارات مضيئة وليال مظلمة وهو مستمر فى السقوط وكأنه يطير لاسفل .. رأى طيور غريبة واسماك جميلة .. سمع اصوات لم يتخيل انها موجودة ... سمع ملاحم اوركسترالية بآلات لم تخترع بعد .. رأى قمم جبال تشبه جبال اسكتلندا الخضراء التى احب صورها ..واحس بطعم الماء المالح عندما استمرت رحلة سقوطه فى مياه البحر .. لم تكن كوابيسه ملونة ومضيئة بهذا الشكل من قبل ابدا .. لم تصحبها موسيقى تصويرية سماوية كما حدث هذه المرة .. لم تكن رحلته طويلة بهذا الشكل ابدا ابدا
حتى عندما ارتطم بالقاع فى نهاية كابوسه لم يرتجف قلبه بين ضلوعه بشكل مؤلم كما اعتاد ان يفعل فى الماضى .
لقد انتهى الكابوس .. وليس له ان يستيقظ من نومه هذه المرة.
.
.
.
.
عندما وصلت الشرطة للمعاينة كانت اوراق الصحف التى تغطى جثته متشربه بدماء كثيرة .. حتى ان الطبيب الذى صاحبهم تعجب من كل هذه الدماء التى نتجت عن سقوطه من الطابق الثانى فقط

14 Comments:

البنات حسنات said...

كان شغلي الشاغل أثناء قراءة التدوينةأن أجد ملمساً كهربائياً أو تياراً خفياً بين ثنايا السطور حالها في ذلك حال معظم تدويناتك المفعمة بصواعق لطيفة ، لكن إحساسي اللغوي لم يدلن على أي منها ، وشعرت بلإستغراب وتساءلت .. أهجر صاحبنا كهفه المملوء بالأسلاك وأنواع الصدمات والتجارب ؟ ، ثم عاودت القراءة فوجدت أنك قبل ختامها بسطرين تركت مساحة خالية منقطة .. فقلت في نفسي لعل الشيطان يكمن فيها وأنك تركتها خالية بهذا الشكل لفطنة القارىء ، وربما لوضوح الدلالة ... مع تحياتي

u3m said...

ابو البنات ... هذا النص مشحون بالكهرباء الساكنة اوالاستاتيكية لذلك تجده اقل تأثيرا واضعف شحنة من سابقيه .. ربما لو كنت قرأته والسماء ترعد والبرق يشحن الاجواء بالكهرباء الاستاتيكية لتضاعف تأثير النص.

مودتى

علاء السادس عشر said...

عزيزى ايماتور
لايوجد أروع من ثوانى السقوط الحر ,من قفز بالمظلة يعرف روعة هذا الشعور. التحرر من الاسم والخوف والجسد.وصفك مطابق للواقع بأستثناء مشاهدة شريط الحياة أو الألوان أعتقد أنك أضفتها بسبب البناء الدرامى للتدوينة.
تدويناتك أصبحت محفز لذكرياتى ياريت التدوينة القادمة لا يكون لها علاقة بالبحر والغرق لأن فى هذه الحالة سأحتاج تعليق من الحجم العائلى.
سعيد جداً بكتابتك وتدويناتك الجميلة

Camellia Hussein said...

نص جميل امتعنى كعادة كل تدويناتك
اشكرك كثيرا علي راديو المدونة حقيقي اختياراتك هايلة

u3m said...

العزيز علاء
انا جربت الكثير من انواع السقوط الغير حر ولم تكن ابدا بدافع رياضى او مجرد حب للمغامرة .. كانت كلها لا ارداية .. وبالطبع لم اجرب القفز بالمظلة ولا البنجى جمبينج او حتى القفز بالزانة وان كنت آمل ذلك فى يوم من الايام .. سأحاول ان تكون تدوينتى القادمة عن البحر والغرق حتى نحصل منك على تعقيب فاميلى سايز تعوض به قلة كتاباتك فى مدونتك
سعيد جدا بردودك ومتابعتك يا جميل

u3m said...

Camellia
سعدت بمرورك العطر وكلماتك المشجعة . أأمل ان اراكِ هنا كثيرا

Anonymous said...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

صباح الخير ياأخى العزيز ايه الكلام دة لو افترضنا انك شاب فى مقتبل العمر المفروض إنك تنظر للحياة بشكل وردى انا مش عايزة أقول لك اننى تأثرت جدا لما قرأت وحسيت أنك انسان وحيد المفروض انك تعرف اصحاب وتزرع فى نفسك التفاؤل والأمل كل دة يمنع عنك الكوابيس وتحلم أحلام جميلة وأحلام وردية

نور على

u3m said...

وعليكم سلام الله ورحمته وبركاته
الاخت نور على
بداية اشكر لك اهتمامك وتفاعلك بما تقرئين .. ولكن هناك بعض التوضيحات .. الافتراض بانى شاب وفى مقتبل العمر للاسف غير صحيح. كما انه ليس كل ما اكتبه بالضرورة كتابة ذاتية .. كثيرا ما اكتب بتصرف او اكتب تجارب تعايشت معها منذ زمن بعيد .. او ان تكون لحظة كتابة تلك السطور او غيرها صادفت لحظة سوداوية فى خيال الكاتب وكانت روحه المعنوية منخفضة بعض الشىء فى ذاك الوقت.
عموما اسعدنى ان ما كتبته قد اثر بك وااسف ان كان التأثير سلبى بعض الشىء.

اكرمك الله

ملحوظة : عليكى بقراءة التدوينة قبل السابقة بعنوان "انا والكهرباء" لعلها تمحو بعض من التأثير السيىء التى تركته التدوينة الحالية

Ossama said...

ي العزيز
تدوينة رائعة ونص هائل
يحتاج تحليل نصي حقيقي
على فكرة النص تحرر و الحلم بالسقوط والطيران والامتحان من الاحلام النمطية زي ما قال فرويد في تفسير الاحلام
واسأل وليد
و طبعا انت بتكتب من جواك قوي
و همسة في اذن الاخت نور
بلاش وعظ
النص مقبل على الحياة جدا على فكرة
و الموت اللي فيه هو موت شخصية يتحرر منها الكاتب مش موت الكاتب
النص مش معناه مع احترامي لرأي حضرتك انه وحيد و حزين
ده كلام كليشيهات
النص معناه انه مر بتجربة وخرج منها
و ده على فكرة حتى تفسير الموت في الحلم او على مستوى التخيل
تفوقت على نفسك يا جميل
برجاء مداومة الابداع
وارجوك متلغيش حاجة من كلامي
اسامة

الكونتيسة الحافية said...

متي ينتهي الحلم ويبدأ الواقع؟؟ أحيانا أسأل نفسي هذا السؤال.. هل أنا أحيا بالفعل أم أن حياتي مجرد حلم أم هل أحلامي هي حياتي الواقعية وما أعيشه هو مجرد أحداث تقع أثناء استغراقي في النوم؟؟
الأحلام جميلة.. مخيفة..مثيرة..غامضة للأبد..شاحبة كالموت..متميزة كبصمة الأصبع..قل عنها ما تشاء لكن الحقيقة هي أنه لا يمكننا الحياة بدون أحلام
تدوينة رائعة تحمل في طياتها ذلك المزيج العبثي بين الخوف من الأحلام والرغبة العارمة في الاستغراق فيها
أحييك على التصوير الدقيق
الصورة بالذات أثرت في للغاية لأنها ذكرتني بأحد أحلامي كانت شمسه شاحبة تماما مثلما هي في الصورة
كان حلما لذيذا رغم ذلك أو ربما بسبب ذلك
تحياتي

u3m said...

دكتور اسامة ... تقييمك الاحترافى لاى نص اكتبه بمثابة ختم الجودة لهذا النص .. اتمنى ان تلاقى تدويناتى القادمة استحسانك هى الاخرى
منور المدونة دائما يا دكتورنا العزيز

u3m said...

الكونتيسة الحافية ..عالم الاحلام عالم سحرى عجيب !!! اعرف شخصا يستطيع ان يتحكم فى احلامه بشكل ما ليختار الموضوع الذى يريد ان يدور حلمه حوله .. واعرف اخرى فقدت القدرة على ان تحلم منذ اكثر من 20 عاما .. لا اعرف من منهم يستحق ان اغبطه ومن ارثيه

سعدت بمرورك وتعليقك الثانى هنا

خمسة فضفضة said...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قصه رائعه ، اشكرك عليها ، بجد حسيت بمتعه وانا بقرأها
فكثيرا ما تتكرر بعض هذه الاحلام مع اي منا ، نحتاج فعلاالشعور بالحرية والانطلاق, ونظل نبحث عنها طوال عمرنا
ولكن هل يمكن لنا الوصول اليها قبل ان تنتهي حياتنا ...؟؟؟

u3m said...

خمسة فضفضة .. مرحبا بك مرة ثانية فى مدونتى .. اسعدنى ان القصة اعجبتك
اما بخصوص سؤالك عن الشعور بالحرية والانطلاق وامكانية الوصول لمردانا قبل النهاية فهذا يتوقف على تعريف كل منا بالمقصود بعبارة الشعور بالحرية والانطلاق
لن تظفرى منى بإجابة فدورى ينتهى بكتابة الخاطرة

تحياتى