وقفت متململا فى انتظار الاسانسير وحولى الكثير ممن اعرفهم جيدا ومن اعرفهم معرفة سطحية ومن لا اعرفهم البتة، درت برأسى اومىء لهذا او لهذه على سبيل تحية الصباح بلا رغبة حقيقية فى الكلام او رد السلام ، ابتسامة خفيفة تكفى او ربما التمتمة ببضع كلمات غير مسموعة كى لا ابدو بغيضا او متعجرفا . ثلاثة مصاعد يأبى ايا منهم الهبوط للطابق الارضى كى يحمل كل هؤلاء البشر للادوار العليا حيث يعملون ، منهم من ذاهب لالقاء محاضره ومنهم من ذاهب الى معمله او مكتبه، منهم اساتذة ومنهم موظفين اومهندسى معامل.
انظر الى رقم الطابق على المؤشر الضوئى المثبت على الحائط اعلى باب المصعد يتناقص حتى يصل الى رقم واحد ثم يثبت لفترة طويلة متحديا رغبة جميع الواقفين .. اعتقد ان هذه هى الحالة الوحيدة التى يسعد فيها اى شخص برؤية رقم صفر يظهر امامه .. اخيرا يظهر الرقم اللعين ليفتح الباب فى بطء مستفز ليظهر وجه عامل المصعد مبتسما وهو يقول "اتفضلوا يا بهوات" وما ان اكتمل عدد من استطاعوا الدخول للمصعد 9 أشخاص حتى صاح عامل الاسانسير "معلش .. الباقى يستنى الاسانسير التانى علشان العدد بس"
وكنت انا من المحظوظين الذين استطاعوا الحصول على تأشيرة دخول الاسانسير
وما ان اغلق الباب قالت احدى الموظفات
- ليه ياحمدى متسيبهم يطلعوا يا آخى .. مكتوب اهو ان الاسانسير بيشيل لحد 13 شخص !!
ليرد حمدى عامل الاسانسير
- ايوه يا مدام كلامك صح بس ده اسانسير يابانى يعنى اللى صنعوه عاملين حسابهم على 13 بنى آدم من الحجم السيسى بتاع اليابانيين مش من الاحجام بتاعتنا
ابتسم البعض بينما ظهرت ملامح "الاشمئناط" على وجه الموظفة اذ ظنت ان حمدى يقصدها هى بكلامه، خاصة ان وزنها لا يقل عن 120 كيلوجراما بأى حال من الاحوال
نظرت انا الى المؤشر الداخلى انتظر وصوله لرقم 7 بفارغ الصبر متذكرا الماضى حيث كنت استخدم الدرج فى الصعود عندما كنت املك من اللياقة ما يمكننى من الصعود والهبوط عشرات المرات فى اليوم الواحد .. ثم تذكرت ان هذا ليس بالماضى البعيد .. بل هو من عام واحد تقريبا .. اذا ما الذى حدث فى هذا العام ليجعلنى متكاسلا هكذا؟
قبل ان اجد الاجابة كان المصعد قد وصل لهدفه وكنت انا قد عزمت على تنفيذ مهمة ما من شأنها الاجابة على بعض التساؤلات التى تدور فى ذهنى
خرجت من المصعد ومررت بالمكتب الذى كنت انوى الذهاب اليه وعلى بابه كان زميلى واقفا يبدو انه قد وصل قبلى مستخدما احد المصاعد الاخرى او ربما استخدم الدرج فى الصعود .. وما ان رآنى حتى هتف " اخيرا وصلت .. مفتاحك بسرعة علشان نسيت مفاتيحى" نظرت له بدون ان اتوقف وقلت شيئا على غرار " آه طب كويس الحمدلله" لا اذكر الحقيقة فحوى الرد الذى رددته فقد كان ذهنى مشغولا بالمهمة التى انتوى تنفيذها ، وتابعت طريقى متجها الى السلالم لاهبط الدرج مرة اخرى على قدمى
نظر لى زميلى بدهشة وعدم فهم وقد ظن بى لوثة، فمن هذا الذى يخرج من الاسانسير ثم يتجه مباشرة الى الدرج ليهبط مرة اخرى ؟؟
كانت المهمة التى عزمت على تنفيذها فور خروجى من المصعد هى ان اقوم بهبوط الدرج للدور الارضى ثم اقوم بصعوده مرة اخرى للتأكد من انى قادر على هذا الفعل ..
كان الدرج مزدحما بالطلبة المتجهين الى الفصول وقاعات المحاضرات وكانوا جميعهم بطريقهم للصعود بينما انا الوحيد الذى اتخذ طريق النزول فاضطررت للوقوف عدة مرات لكثافة عدد الطلبة الصاعدين ثم اخذت طريقى فى النزول بهدوء بينما الطلبة يقفزون عدة سلالم فى الخطوة الواحدة مما جعلنى اقرر ان افعل مثلهم عندما ابدأ فى الصعود مرة اخرى ... نعم لن اصعد "ِسلّمة سِلّمة" كما يفعل الاطفال .. سأقفز طلوعا حتى اصل للدور الاخير وسأفعل كما فعل "سيلفستر ستالون" فى فيلم " روكى 1" حينما كان يقوم بتمريناته فى تدريبات ما قبل الملاكمة وعندما اصل لنهاية الدرج سأقفز فرحا مثله وسأسمع نفس الموسيقى المصاحبة لتلك اللقطة بالفيلم
وصلت للدور الارضى اخيرا ولم اشعر بأى تعب !! لماذا اذا كنت استخدم المصعد حتى فى الهبوط ؟؟؟ هل هو كسل ام هو العجز؟
اتجهت فى طريقى للدرج الثانى فى الجهة الاخرى من المبنى فلم ارد ان استخدم نفس الطريق للصعود حتى لا يظن هذا العامل الجالس على اول السلم بى الظنون، وما ان اقتربت من منطقة المصاعد وقبل ان اتجاوزها لاصل الى الدرج الآخر لمحنى رئيسى فى العمل وكان واقفا فى انتظار المصعد نادانى ليسألنى عن بعض الامور الخاصة بالعمل وفى نفس اللحظة وصل المصعد فاضطررت للركوب معه حتى اجاوبه على اسئلته ..
لم يكن بالمصعد غيرنا حتى عامل الاسانسير ترك موقعه بعد ان خف الضغط وقل الطلب على المصعد .. فقد كانت مهمته الاساسية هى منع الطلبة من استخدام المصعد اما وقد بدأت المحاضرة الاولى واختفت الطلبة بقدرة قادر فله الآن ان يترك موقعه ويستريح لحين بداية الجولة الثانية من المحاضرات ...
انتهى الحوار بينى وبين رئيس القسم بانتهاء الادوار ووصول المصعد للدور الاخير فتركنى وذهب لمقصده بعد ان طلب منى ان اسجل كل ما ذكرته له الآن فى حوارنا القصير على الورق واعرضه عليه فى اجتماع مجلس القسم الذى سيبدأ بعد دقائق ...وبينما انا واقف بالمصعد ضاغطا على زر الانتظار فى حيرة لا اعرف ماذا انا بفاعل الآن .. هل اؤجل المهمة للغد ام اقوم بها الآن واهبط مرة اخرى؟ واذا قررت الهبوط واعادة المحاولة .. هل لى بإستعمال المصعد ام استخدم الدرج مرة اخرى ؟ ..وبينما انا فى حيرتى لمحت زميلى يجرى باتجاهى فى غيظ وهو يصيح " طب هات المفتااااح!! " فضغطت زر النزول فى فزع غير مبرر ليغلق باب المصعد قبل ان يصل زميلى !!
لابد من تنفيذ المهمة .. سأهبط للدورالارضى مرة اخرى وسأصعد للدور الاخير مستخدما الدرج .. سأصعد السلم وثبا متخذا درجتين فى كل وثبة .. وسأصل للدور الاخير بسهولة ويسر .. وستعزف لى الموسيقى فى انتصار وسيعانقنى زميلى مهنئا اياى فى فرح ..
لابد من تنفيذ المهمة .. سأهبط للدورالارضى مرة اخرى وسأصعد للدور الاخير مستخدما الدرج .. سأصعد السلم وثبا متخذا درجتين فى كل وثبة .. وسأصل للدور الاخير بسهولة ويسر .. وستعزف لى الموسيقى فى انتصار وسيعانقنى زميلى مهنئا اياى فى فرح ..
فجأة اهتز المصعد فى عنف واظلمت انواره وتوقف ازيزه ... لقد انقطعت الكهرباء !!