Monday, May 14, 2007

الاسانسير



وقفت متململا فى انتظار الاسانسير وحولى الكثير ممن اعرفهم جيدا ومن اعرفهم معرفة سطحية ومن لا اعرفهم البتة، درت برأسى اومىء لهذا او لهذه على سبيل تحية الصباح بلا رغبة حقيقية فى الكلام او رد السلام ، ابتسامة خفيفة تكفى او ربما التمتمة ببضع كلمات غير مسموعة كى لا ابدو بغيضا او متعجرفا . ثلاثة مصاعد يأبى ايا منهم الهبوط للطابق الارضى كى يحمل كل هؤلاء البشر للادوار العليا حيث يعملون ، منهم من ذاهب لالقاء محاضره ومنهم من ذاهب الى معمله او مكتبه، منهم اساتذة ومنهم موظفين اومهندسى معامل.
انظر الى رقم الطابق على المؤشر الضوئى المثبت على الحائط اعلى باب المصعد يتناقص حتى يصل الى رقم واحد ثم يثبت لفترة طويلة متحديا رغبة جميع الواقفين .. اعتقد ان هذه هى الحالة الوحيدة التى يسعد فيها اى شخص برؤية رقم صفر يظهر امامه .. اخيرا يظهر الرقم اللعين ليفتح الباب فى بطء مستفز ليظهر وجه عامل المصعد مبتسما وهو يقول "اتفضلوا يا بهوات" وما ان اكتمل عدد من استطاعوا الدخول للمصعد 9 أشخاص حتى صاح عامل الاسانسير "معلش .. الباقى يستنى الاسانسير التانى علشان العدد بس"
وكنت انا من المحظوظين الذين استطاعوا الحصول على تأشيرة دخول الاسانسير
وما ان اغلق الباب قالت احدى الموظفات
- ليه ياحمدى متسيبهم يطلعوا يا آخى .. مكتوب اهو ان الاسانسير بيشيل لحد 13 شخص !!
ليرد حمدى عامل الاسانسير
- ايوه يا مدام كلامك صح بس ده اسانسير يابانى يعنى اللى صنعوه عاملين حسابهم على 13 بنى آدم من الحجم السيسى بتاع اليابانيين مش من الاحجام بتاعتنا
ابتسم البعض بينما ظهرت ملامح "الاشمئناط" على وجه الموظفة اذ ظنت ان حمدى يقصدها هى بكلامه، خاصة ان وزنها لا يقل عن 120 كيلوجراما بأى حال من الاحوال
نظرت انا الى المؤشر الداخلى انتظر وصوله لرقم 7 بفارغ الصبر متذكرا الماضى حيث كنت استخدم الدرج فى الصعود عندما كنت املك من اللياقة ما يمكننى من الصعود والهبوط عشرات المرات فى اليوم الواحد .. ثم تذكرت ان هذا ليس بالماضى البعيد .. بل هو من عام واحد تقريبا .. اذا ما الذى حدث فى هذا العام ليجعلنى متكاسلا هكذا؟
قبل ان اجد الاجابة كان المصعد قد وصل لهدفه وكنت انا قد عزمت على تنفيذ مهمة ما من شأنها الاجابة على بعض التساؤلات التى تدور فى ذهنى
خرجت من المصعد ومررت بالمكتب الذى كنت انوى الذهاب اليه وعلى بابه كان زميلى واقفا يبدو انه قد وصل قبلى مستخدما احد المصاعد الاخرى او ربما استخدم الدرج فى الصعود .. وما ان رآنى حتى هتف " اخيرا وصلت .. مفتاحك بسرعة علشان نسيت مفاتيحى" نظرت له بدون ان اتوقف وقلت شيئا على غرار " آه طب كويس الحمدلله" لا اذكر الحقيقة فحوى الرد الذى رددته فقد كان ذهنى مشغولا بالمهمة التى انتوى تنفيذها ، وتابعت طريقى متجها الى السلالم لاهبط الدرج مرة اخرى على قدمى

نظر لى زميلى بدهشة وعدم فهم وقد ظن بى لوثة، فمن هذا الذى يخرج من الاسانسير ثم يتجه مباشرة الى الدرج ليهبط مرة اخرى ؟؟

كانت المهمة التى عزمت على تنفيذها فور خروجى من المصعد هى ان اقوم بهبوط الدرج للدور الارضى ثم اقوم بصعوده مرة اخرى للتأكد من انى قادر على هذا الفعل ..
كان الدرج مزدحما بالطلبة المتجهين الى الفصول وقاعات المحاضرات وكانوا جميعهم بطريقهم للصعود بينما انا الوحيد الذى اتخذ طريق النزول فاضطررت للوقوف عدة مرات لكثافة عدد الطلبة الصاعدين ثم اخذت طريقى فى النزول بهدوء بينما الطلبة يقفزون عدة سلالم فى الخطوة الواحدة مما جعلنى اقرر ان افعل مثلهم عندما ابدأ فى الصعود مرة اخرى ... نعم لن اصعد "ِسلّمة سِلّمة" كما يفعل الاطفال .. سأقفز طلوعا حتى اصل للدور الاخير وسأفعل كما فعل "سيلفستر ستالون" فى فيلم " روكى 1" حينما كان يقوم بتمريناته فى تدريبات ما قبل الملاكمة وعندما اصل لنهاية الدرج سأقفز فرحا مثله وسأسمع نفس الموسيقى المصاحبة لتلك اللقطة بالفيلم

وصلت للدور الارضى اخيرا ولم اشعر بأى تعب !! لماذا اذا كنت استخدم المصعد حتى فى الهبوط ؟؟؟ هل هو كسل ام هو العجز؟
اتجهت فى طريقى للدرج الثانى فى الجهة الاخرى من المبنى فلم ارد ان استخدم نفس الطريق للصعود حتى لا يظن هذا العامل الجالس على اول السلم بى الظنون، وما ان اقتربت من منطقة المصاعد وقبل ان اتجاوزها لاصل الى الدرج الآخر لمحنى رئيسى فى العمل وكان واقفا فى انتظار المصعد نادانى ليسألنى عن بعض الامور الخاصة بالعمل وفى نفس اللحظة وصل المصعد فاضطررت للركوب معه حتى اجاوبه على اسئلته ..
لم يكن بالمصعد غيرنا حتى عامل الاسانسير ترك موقعه بعد ان خف الضغط وقل الطلب على المصعد .. فقد كانت مهمته الاساسية هى منع الطلبة من استخدام المصعد اما وقد بدأت المحاضرة الاولى واختفت الطلبة بقدرة قادر فله الآن ان يترك موقعه ويستريح لحين بداية الجولة الثانية من المحاضرات ...

انتهى الحوار بينى وبين رئيس القسم بانتهاء الادوار ووصول المصعد للدور الاخير فتركنى وذهب لمقصده بعد ان طلب منى ان اسجل كل ما ذكرته له الآن فى حوارنا القصير على الورق واعرضه عليه فى اجتماع مجلس القسم الذى سيبدأ بعد دقائق ...وبينما انا واقف بالمصعد ضاغطا على زر الانتظار فى حيرة لا اعرف ماذا انا بفاعل الآن .. هل اؤجل المهمة للغد ام اقوم بها الآن واهبط مرة اخرى؟ واذا قررت الهبوط واعادة المحاولة .. هل لى بإستعمال المصعد ام استخدم الدرج مرة اخرى ؟ ..وبينما انا فى حيرتى لمحت زميلى يجرى باتجاهى فى غيظ وهو يصيح " طب هات المفتااااح!! " فضغطت زر النزول فى فزع غير مبرر ليغلق باب المصعد قبل ان يصل زميلى !!
لابد من تنفيذ المهمة .. سأهبط للدورالارضى مرة اخرى وسأصعد للدور الاخير مستخدما الدرج .. سأصعد السلم وثبا متخذا درجتين فى كل وثبة .. وسأصل للدور الاخير بسهولة ويسر .. وستعزف لى الموسيقى فى انتصار وسيعانقنى زميلى مهنئا اياى فى فرح ..
فجأة اهتز المصعد فى عنف واظلمت انواره وتوقف ازيزه ... لقد انقطعت الكهرباء !!

17 Comments:

u3m said...

اهداء الى الدكتور اسامة القفاش اللى اهداءاته مغرقانى وايضا الى الباشمهندزة مها الجبالى كنوع من الاعتذار عن التدوينتين السابقتين

Unknown said...

منور ياباشا
تانى كهربا

خمسة فضفضة said...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جميله اوي
بس ايه البطل ده ،دا حظه وحش اوي ، حتي الكهربا معنداه

بس هو ليه من الاول ما طلعش علي طول علي السلم بدل ما يستني الاسانسير ..؟؟

Anonymous said...

يا دى الكهربا اللى حتودينا فى داهية

انت كنت تقريبا نسيت انك مخلوق كهربى مافيش بينه وبين الكهربا عمار
وكنت زمان لحد قبل سنة من دلوقتى بطلت تستخدم الاشياء الكهربية الغريبة والفائقة الخطورة مثل الاسانسير من بعد عطل السد العالى والزلازل والحاجات دى وكنت طالع نازل السلالم زى الجن
ايه بقى اللى رجعك تانى تلعب بالحاجات الوحشة دى
وبعدين شفت الحظ الاسانسير معطلش الا لما الزحمة اللى عليه خفت ومفضلش غيرك عشان تنفرد لوحدك بالتجربة دى فعلا انت متميز !!!!! .

u3m said...

هشام .. ده نورك يافندم
ايوه كهربا تانى بس المرة دى 380 فولت .. كهربة اسانسيرات بأه

u3m said...

خمسة فضفضة
وعليكم سلام الله ورحمته وبركاته

هو بالفعل البطل حظه مش ولابد .. ومش الكهربا بس اللى معنداه .. الدنيا كلها معنداه

بتسألى ليه مطلعش على السلم من الاول ؟
هو كمان كان بيسأل نفسه السؤال ده لما كان فى الاسانسير .. ليه فضل ملطوع مستنى الاسانسير ومخدش السلالم؟؟ وليه بقاله سنة على ده الحال؟ علشان كده حب يجرب بنفسه ويشوف اذا كان لسه قادر على طلوع السلالم ولا لأ.

وعلى اى حال لو كان طلع على السلالم من الاول ومخدش الاسانسير مكنتش هلاقى انا حاجة اكتبها .. صح ؟

u3m said...

nana
قصدك ان انا منحوس وده بس اللى بيميزنى ؟
عموما لو سلمت بكلامك ده فأنا برضه واخد فى الاعتبار النص المليان من الكوب
ماهو كان ممكن اقع من على السلم وتتكسر رقبتى .. او ان الاسانسير يتعطل وهو مليان ناس ونتخنق كلنا ونموت قبل ما يفتحولنا .. او ان الاسانسير يقع بيا مثلا مش يتعلق وبس ..
الافتراضات كتير جدا ولو قعدنا نفكر فيها محدش هيعمل حاجة فى دنيته

Anonymous said...

ليه بس النية الوحشة دى مين قال ان قصدى انك منحوس وان ده بيميزك انا قصدى ان كتاباتك هى اللى بتميزك وبعدين تجربة الاسانسير دى كفيلة انها تعقد بشر وتعمله فوبيا الاماكن المغلقة مثلا ويمكن فوبيا الاماكن العالية كمان وانت مجرالكش حاجة من دول والحمد لله يبقى انت متميز ولا لا؟

aboyehia said...

الف شكر على ا لاهداء يا جميل
انت فعلا رائع وكتابتك تحفة
بس محتاج صنفرة عشان تشيل غبار الكسل بتاع الفترة اللي فاتت
هنا بتفكرني قوي بمكاوي سعيد
بالرغم انك رسام سكتشات اكتر منك فوتوغرافي
لا الاولانية مدح ولا ذم ولا الاخرانية كده برضه
الاتنين وصف
خالص تحياتي يا ي
اسامة

الكونتيسة الحافية said...

شيء محبط إن كل العوامل اللي حواليك تتحد علشان تحبطك... بس ولا يهمك طالما حاطتها في دماغك يبقى هتعملها المهم متخليهاش تزوغ منك

تحياتي

BaTresYa said...

أسلوب الكتابه رائع بجد.. أحياناً الأيام بتبان من أولها ...بس عادة لما بتنتهي بإبتسامه

u3m said...

د. اسامة
رسام اسكتشات مش وحشة .. هو انا اطول

u3m said...

الكونتيسة الحافية
المشكلة مش فى انها تزوغ منى .. المهم انى انا مازوغش منها
:o)

شكرا لمرورك وآسف لتأخر الرد

u3m said...

batresya

شكرا لمجاملتك .. فعلا زى ما قلتى فى ايام بتبان من اولها وساعتها باتمنى انى منزلش من البيت .. بس لو عملت كده هافضل فى بيتنا بقية عمرى تقريبا

شكرا لمرورك

قبل الطوفان said...

كأنه اختبار ذاتي للتأكد من أن سيزيف مازال موجودا وأن صخرته تواصل التدحرج
تأملت في نصك كثيرا.الجميل أنه يفتح أبوابا مختلفة للتأويل :))

Bou-ME said...

أبناء مصر...
بنحب...هنقدر..هنغير...
http://abna2masr.blogspot.com/

u3m said...

د.ياسر ..مرحبا بعودتك
اثناء كتابتى لتلك التدوينة وقبل ان اخط سطريها الاخيرين .. توقفت قليلا ثم غيرت رأيى وغيرت نهاية القصة وفكرت ان اقطع الكهرباء عن المصعد واترك لسيزيف فرصة لاعادة التفكير وربما بعض الوقت بعيدا عن صخرته

شكرا لتعقيبك سيدى