اردت منذ فترة ان اكتب تدوينة عن مسلسل امريكى شهير يدعى LOST وقد حصل هذا المسلسل على شهرة تفوق حجمه ربما لاختلافه بعض الشىء عن تيمات المسلسلات المعروضة حاليا والتى يدور اغلبها فى فلك دراما المستشفيات والاطباء المقيمين او سلسلة مسلسلات الطب الشرعى والجنائى ثم تخريفات مسلسلات الخوارق من نوعية I See dead ppl او مصاصى الدماء ثم مسلسلات نظريات المؤامرة الامريكية التى لا تنتهى واخيرا المسلسلات الاجتماعية التى تعيش الحلم الامريكى كما ينبغى له ان يكون .. كل هذا طبعا بخلاف حلقات السيتكوم الكوميدية وما اكثرها.
تميز مسلسل LOST عن تلك المسلسلات بكمية الغموض التى يحتويها مما جعله يحصل على نسب مشاهدة عالية للغاية وكذلك يتميز بتنوع ابطاله فمنهم الابيض والاسود والاصفر او بتصنيفهم حسب الجنسيات فمنهم الكورى والعراقى والامريكى من هاواى والامريكى الهيسبانيك والايرلندى والنيجيرى ويتسيدهم كما هى العادة مجموعة الامريكيين الانجلوساكسونيين .. ولاسبيل طبعا لجمع كل هذه الجنسيات معا الا من خلال حبكة درامية غريبة تبدأ بسقوط طائرة تقلهم فى عرض البحر على جزيرة مجهولة لا نعرف ان كانت على كوكب الارض اصلا ام فى بعد آخر او كوكب موازى او فى قلب مثلث برمودا او ربما تكون مجرد ماتريكس اخرى او دراسة نفسية معقدة فى مستشفى صغير .. لا يزال كل هذا مجهولا .. بالاضافة لكمية ضخمة من علامات الاستفهام التى تمتلىء بها كل حلقة من حلقات المسلسل والتى تجعل المشاهد ينتظر الحلقة القادمة لعله يجد بعض الاجوبة ولكنه بدلا من ذلك يجد مجموعة اخرى من علامات الاستفهام فينتظر الحلقة الاخرى وهكذا دواليك ..
وضع مؤلفى الحلقات كل التوابل الهندية المعروفة فى تلك الطبخة الدرامية لجذب المشاهدين فاصبح للحلقات مريديها ومواقعها المختلفة على الانترنيت اكثر من ان تحصى وتمتلىء هذه المواقع والمنتديات بآلاف المشاهدين المهووسين بالمسلسل والذين يناقشون كافة الاحتمالات التى يمكن لمؤلفى شبكة ABC التليفزيونية ان يخرجوا بها من مأزق النهاية التى ترضى جميع الاطراف وتقدم حلول لكل هذه الاستفهامات والالغاز التى وضعوها بالمسلسل ويصعب اجابتها بشكل منطقى غير خيالى .. لدرجة انك قد تجد مواقع او مدونات تقوم بحصر كل الارقام التى ورد ذكرها او تم التلفظ بها فى حلقات المسلسل .. او حتى عناوين الاغنيات التى قد يسمعها الابطال فى خلفية بعض الاحداث فربما يمكن ايجاد علاقات منطقية تفسر بعض من الالغاز التى وردت بالحلقات ..
انتهى المسلسل من عرض 48 حلقة على مدار موسمين ثم عرض 6 حلقات من الموسم الثالث وتوقف لفترة على ان يبدأ فى عرض باقى الحلقات بداية من شهر فبراير 2007
كل ما قرأته سيادتك الآن ليس هو الموضوع الذى اردت ان تحتويه هذه التدوينة !! لم يكن ما سبق سوى مقدمة طويلة لحدث بسيط مررت به واردت ان اعلق عليه فانتهزت الفرصة لربط الموضوعين ببعضهما البعض .. لكن هذا لا ينفى ان مسلسل LOST يحتوى الكثير مما يستوجب التعليق عليه او تحليله - ولكنى سأترك هذه المهمة للمحترفين- واعود لاصل الموضوع الذى رغبت فى كتابته وربما تفسر الكلمات القليلة التالية المغزى من الصورة الغريبة الموجودة بأعلى الموضوع او سبب هذه التقديمة الغير مألوفة
-*-*-*-*-
-*-*-*-*-
كانت البداية منذ عدة ايام عندما كنت اشاهد احدى حلقات المسلسل سالف الذكر ثم وردت عبارة ما على لسان احد الممثلين جعلتنى اعقد مقارنة بين الشخصية التى اراها امامى على الشاشة وبين شخص آخر اعرفه جيدا هو انا .. كانت العبارة هى "amenable for coercion" - تستطيع ان ترى اللقطة فى ملف الفيديو القصير الذى رفعته على Youtube- وكان الحدث الذى اثار تلك المقارنة الوقتية هى واقعة حدثت لى منذ حوالى اسبوع ..كنت ذاهبا الى عملى فى الصباح الباكر وبعد ان ركبت سيارتى وما ان سرت بها عدة امتار حتى وجدت عجلة القيادة تزداد ثقلا فى يدى والسيارة تميل ناحية اليمين بشدة ولم تمر ثوانى حتى سمعت صوت الفلوب فلوب فلوب اللعين فعلمت ان الاطار اليمين الامامى قد فرغ من الهواء وياله من توقيت .. فأنا بالفعل متأخر عن ميعاد وصولى للعمل وكنت انوى ان ادهس (افعص) اكبر عدد ممكن من المارة فى طريقى لعل هذا يزيد من الـ score فأستطيع ان اعوض به عدد الدقائق التى تأخرتها بالفعل ولكن الموضوع يبدو اكثر سهولة على شاشة الكومبيوتر منه على ارض الواقع . سرت قليلا بالسيارة حتى رأيت فرجة بين السيارات الواقفة على يسارى فتوجهت اليها وحاولت ركن السيارة فى تلك البقعة وما ادراكم بمحاولة ركن سيارة عادية لا يوجد بها خاصية الـ Power Steering وبها ايضا اطار امامى فارغ من الهواء فى شارع ضيق تملؤه السيارات على الجانبين ومن ورائى عشرات السيارات يقودها الموظفين المهملين المتأخرين عن اعمالهم والحانقين علىّ طبعا لتعطيلى اياهم وحرمانهم من دهس المارة المساكين .. المهم .. بعد ان انتهيت من ركن السيارة بشكل معقول .. احكمت اغلاقها ووقفت فى انتظار سيارة اجرة لتقلنى الى مكان العمل .. لاداعى لذكر اننى لن اقوم بتبديل الاطار الفارغ بالاحتياطى الممتلىء حتى لو تسنى لى الوقت لفعل ذلك .. فأنا من انصار حزب " هين قرشك ولا تهن نفسك" ولن انزل تحت السيارة ابدا للتأكد من مكان تثبيت الكوريك كما يفعل البعض بل سأبحث عمن يفعل ذلك لى مقابل اى مبلغ من المال يطلبه .. شخص من انصار حزب " عض قلبى ولا تعض رغيفى" ... لكن طبعا لا يتوفر لى وقت لعمل ذلك الآن بالاضافة لانه لا يوجد اى شخص فى الجوار فى هذا الوقت المبكر من اليوم .. وبذلك تكون اكثر الاختيارات حكمة هو ان اذهب لعملى الآن سريعا مستخدما اى سيارة اجرة على ان انظر بشأن السيارة اللعينة بعد انتهائى من العمل ... وبالفعل نفذت ما انتويت بعد ان رأف بحالى سائق تاكسى عجوز يقود سيارته العتيقة بسرعة متهورة تزيد عن العشرين كيلومتر فى الساعة وبعد ان شنف اذانى بحكاياته المسلية عن معاناته الدائمة فى التبول بعد اكل الفلفل المخلل !!
وصلت لعملى متأخرا طبعا وتم احتساب اليوم كإجازة مع اننى لم استطع الانصراف نظرا لكثرة التزاماتى فى هذا اليوم المنحوس ، ومر اليوم بعد ان اديت عملى على اكمل وجه والذى تضمن اصلاح العديد من اجهزة شبكة الحاسب واستلزم منى الزحف تحت بعض الراكات وتسلق البعض الآخر لفحص التوصيلات والهرولة من مبنى لآخر للتأكد من توصيلات كابلات الفايبر ........ ارى نظرات التشفى فى عيون البعض ونظرات متسائلة فى عيون اخرى .. حسنا .. اعتقد انه يجب علىّ توضيح التالى
انا لا امانع فى "بهدلة" نفسى طالما ان هذا مكتوب فى توصيفى الوظيفى .. وطالما انه منوط بى عمل ما يلزم لتسيير الامور . لكنى لا اعتبر النزول تحت السيارات - حتى وان كانت سيارتى- هو بند مكتوب فى توصيفى الوظيفى. ... اتفقنا ؟
بعد خروجى من العمل انتقيت سيارة اجرة لا يبدو على سائقها انه يعانى من مشاكل فى التبول بعد اكل الفلفل المخلل وتوجهت لمحل الكاوتش - اصلاح وبيع اطارت السيارات- القريب نوعا ما من منزلى والذى اتعامل معه عادة وابلغته بما حدث معى صباحا وطلبت منه ان يرسل معى ايا من صبيته لتغيير الاطار ثم اصلاحه ان كان مثقوب . ابدى الرجل تفهمه التام لمأساتى وتعاطف معى تماما وابلغنى انه لا يوجد سوى صبى وحيد فى الورشة حاليا وهو لا يقوم بارساله لاى مهام خارجية لظروف معينة لم يخبرنى بها .. لكنه سيكسر هذه القاعدة الآن لاجل سواد عيونى وطلعتى البهية وايضا لاننى زبون الورشة المفضل ثم صرخ فجأة بأعلى صوته بدون سبب ظاهر وبدون ان يحول نظره عنى قائلا .." يا صوغيررررر"
بعد ثوانى فهمت سبب صراخه وعرفت ان هذه ليست سبة وانه كان ينادى صبيه المختفى داخل الورشة والمسمى بالصغير او "الصوغير" كما كان يناديه ... ظهر الصوغير ليقرن الاسم بالفعل لاجده صغيرا حقا .. كان تقريبا فى الحادية عشرة من عمره .. واصغر كثيرا من ان يعمل بهذه الورشة او اية ورشة اخرى ، كان اسمه الغريب بمثابة خرق واضح وصريح للاعراف والتقاليد التى تقضى بأن يكون اسمه "بلية" مثل كل صبية الورش .. ولكن يبدو انه لم يكتسب الخبرة الكافية التى تؤهله لنيل درجة " البليوية" بعد !!
ولما لم يكن امامى سوى اصطحاب الاخ "الصوغير" معى والذهاب الى حيث قمت بركن السيارة فقد اصطحبت الصبى الصغير وسرنا لدقائق حتى وصلنا لمكان يصلح ان نستقل منه تاكسى ليقلنا لمكان السيارة وكان هذا المكان بجانب محطة الترام وما ان اوقفت سيارة اجرة والتفت للصبى الذى كان يسير بجانبى تماما لأدعوه للركوب .. لم اجده بجوارى !! ثم سمعت صيحته الطفولية من على بعد امتار وهو ينادينى من على سلم الترام قائلا " ياللا بسرعة يا استاذ .. الترام هتطلع .. اجرى انا ماسكلك الباب اهوه" .. فوجئت بفعلته الغريبة ولم يمهلنى التاكسى هو الآخر فانصرف ساخطا .. فهرولت للترام وركبت ساخطا انا الآخر بدورى لاسأله عن سبب فعلته هذه .. فرد قائلا " ما الترام اهى جنبنا والعربية انت بتقول على سور ترام سبورتنج الصغيرة يعنى كلها محطة ترام واحدة يبقى ايه لزمتها التاكسيات والمصاريف .. الترام احلى بكتير" كان يقول هذا الكلام واقفا على سلم باب الترام مانعا اياه من الانغلاق مستمتعا باصطدام الهواء الناشىء عن حركة الترام بوجهه الصغير ..وكان الصبى جميل التقاطيع ناعم الشعر يشبه الاطفال الذين يستخدمونهم فى الافلام العربية عندما يريدون تصوير معاناة الاطفال البؤساء الابرياء فى زمن المادة او شىء من هذا القبيل .
لم تمر دقيقة قبل ان تصل الترام لمحطتها التالية وطبعا قفز الصوغير على رصيف المحطة قبل ان يكتمل وقوف الترام بينما ظللت انا واقفا امام الباب حتى توقفت عربة الترام تماما فنزلت منها كأى لورد انجليزى جار عليه زمانه واضطر لركوب المواصلات العامة مع السوقة والعامة والدهماء وابناء السبيل.
مشينا لأمتار قليلة حتى وجدت السيارة فى نفس المكان الذى اوقفتها به صباحا ، توجهت لباب شنطة السيارة - او الـ Trunk لقارئى المدونة الامريكان :o) - ففتحته وجاء الصغير ليخرج الاطار الاحتياطى واخرجت انا الرافع او الكوريك الهيدروليكى ومفتاح الصواميل .. وفى سرعة وضع الصغير الكوريك فى مكانه بعد ان زحف تحت السيارة ليتأكد من تثبيت الكوريك فى وضعه الصحيح بينما انا وقفت خلفه احاول منع السيارات المارقة بجانبنا من دهس ارجل الصبى البائس .. بعد الانتهاء من تلك الخطوة اراد "الصوغير" ان يقوم برفع السيارة .. فسألته مستفسرا ألا يجب عليه اولا ان يستغل ثقل السيارة على الاطار ليقوم بخلخلة الصواميل قليلا حتى يستطيع فكها بعد رفع السيارة من على الارض .. فأجاب قائلا فى بلاغة " آه .. صح" ثم امسك بمفتاح الصواميل وبدأ فى فك الصواميل ... ثم بدأ ثانية فى فك الصواميل .. ثم بدأ ثالثا فى فك نفس الصامولة !!! ادركت ان الصبى البائس لا يملك القوة الكافية لفك صواميل الاطار فطلبت منه ان يترك هذه الصامولة الاولى لى .. وبعد ان حللتها .. طلب منى المفتاح فى الحاح ليحل هو الصامولة الثانية .. فاعطيته اياه مرحبا بعد ان اغرقنى العرق وسمعت صوت فقرات ظهرى تئن من هذا المجهود العنيف ... لكن يبدو ان حظ "الصوغير" لم يكن افضل مع الصامولة الثانية .. فحللتها انا ايضا ... ولم يطلب هو ان يحاول فى باقى الصواميل كما لم انتظر منه انا ان يطلب هذا فقد تأكدت ان قوة الصغير تعادل قوة دجاجة مصابة بضمور فى العضلات "على حد تعبير د. خالد توفيق".
وبعد ان انتهيت من حل الصواميل بشكل جزئى طلبت منه رفع السيارة ثم تركته يكمل الجزء السهل فأكمل هو اخراج الاطار من مكانه .. ثم عجز عن وضع الاطار الاحتياطى مكانه .. يبدو انه لا يدرك ان الاطار يجب تركيبه بوضعية معينة حتى يدخل فى مكانه الصحيح .. المهم .. ساعدته فى تلك المهمة وتركته يضع الصواميل مرة اخرى فى اماكنها ثم يربطها بشكل خفيف حتى يثبت الاطار فى مكانه وبعد ان تم انزال السيارة على الارض .. قمت انا طبعا " بالتأريط" على الصواميل لعدم قدرة الصغير على هذا الفعل العنيف .. ثم تفضل هو وقام بوضع الاطار الفارغ فى شنطة السيارة مع الكوريك ومفتاح ربط العجل . ثم ركب السيارة بجانبى سعيدا بمهمته التى انجزها بنجاح تام .. جلست فى مكانى بالسيارة لمدة دقائق محاولا التقاط انفاسى ومحاولا ايضا تنظيف نفسى من آثار عملية تغيير الاطار ثم اتجهت بالسيارة عائدا لمحل الاطارات.
ما ان وصلنا حتى قفز الصوغير ليخرج الاطار التالف ليقوم صاحب الورشة بمعاينته ليجد فيه ثقبين صغيرين وكذلك قطع صغيرة من الزجاج بين ثنايا وتعاريج الكاوتش .. فنظر لى قائلا .. لقد مررت على زجاج مكسور منذ فترة واخذ يغوص فى الكاوتش حتى ثقبه .. لكن لا تقلق ... كل هذا ممكن اصلاحه لكن لو وجدت ثقب آخر سأضطر لوضع "كمر داخلى" ولن يصبح الاطار "تيوبليس" مرة اخرى .. اجبته قائلا .. افعل ما تراه مناسبا ... فاردف قائلا " واعتقد انه من الافضل لو فحصنا الاطار الخلفى ايضا لأنه غالبا مر على نفس الزجاج المكسور .. وبالفعل بعد ان قام بحله وفحصه وجد فيه قطع زجاج غائرة وثقبين آخرين على وشك الظهور .. قام بمعالجتهم ولم يكف عن الكلام وتصديع رأسى برأيه فى سياسة عبد الناصر الخارجية واثر ذلك فى تجارة الحشيش الداخلية .. فما ان قام بتركيب الاطاران فى اماكنهم نقدته ما طلب ثم سألت عن الصوغير فأخبرنى بأنه ذهب ليحضر الغذاء . فأعطيته مبلغا اضافيا ليسلمه "للصوغير" نظير خدماته التى لم يقم بها وانصرفت لحالى .. وفى طريقى للعودة لمحت الصوغير عائدا لورشته ممسكا "بلفة" فى يده وفى يده الاخرى عدة ارغفة من الخبز تتساقط منه الواحد تلو الآخر بينما هو مشغول بمطاردة قطة مذعورة بين السيارات الواقفة ... توقفت جانبا وابتسمت عندما عرفت وظيفة "الصوغير" الحقيقية .. وهى احضار الطعام للمعلم الكبير و"بيله" الآخرون .. انتظرت حتى لمحنى فأسرع تجاهى يسألنى " ايه ؟ عربيتك خلصت يا استاذ؟" اجبته بنعم .. ثم اعطيته مبلغا آخر من المال بعد ان شعرت ان معلمه صاحب الورشة لن يسلمه نصيبه الذى اعطيته اياه ....
وفى اليوم التالى مباشرة .. اخبرنى منادى السيارات بأن الشرطة قبضت مساء امس على عصابة من الاطفال وهى تسرق اجهزة الكاسيت من السيارات المتوقفة بجانب سور نادى سبورتنج .... من بينهم "الصوغير" من محل الكاوتش